ترى زها حس من مؤسسة كارنيجي للأبحاث الدولية أن تصويت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لصالح خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول غزة لا يعزز السلام كما يُروج له، بل يُعمّق نموذجًا خطيرًا يُعرف بـ “الحكم بالقانون” بدلًا من “سيادة القانون”، حيث تُستخدم القوانين كأدوات سياسية لخدمة طرف قوي على حساب العدالة والمبادئ الدولية.
جاء القرار بعد دعم من عدة دول عربية وإسلامية، بينما اعتبرته منظمات حقوقية وخبراء قانونيون انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي، لأنه يمنح شرعية لسيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويمهّد لمرحلة جديدة من الاستعمار المقنّع.
تُشير كارنيجي إلى أن هذا التحول الخطير يحدث في سياق دولي مضطرب، حيث تميل القوى الكبرى إلى استبدال المبادئ الإنسانية بالمصالح السياسية، وتفتح الباب أمام عالم أقل أمانًا وأكثر استباحة لحقوق الشعوب الضعيفة.
قرار بشروط أمريكية وإسرائيلية
صوّت مجلس الأمن بأغلبية ساحقة لصالح الخطة الشاملة لإنهاء الصراع في غزة، حيث أيدها 13 عضوًا، بينما امتنعت كل من روسيا والصين عن التصويت. المثير للقلق أن نص القرار ألمح إلى إمكانية ربط وصول الفلسطينيين للمساعدات الإنسانية بقرارات سياسية خارجية، كما فتح المجال لتقرير مصير الحكم الذاتي الفلسطيني عبر اتفاقات تبرمها قوى أجنبية بالتشاور مع دولة الاحتلال.
اقتصر القبول الفلسطيني على المرحلة الأولى من الخطة، والتي تضمنت وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وإدخال مساعدات إلى غزة. في المقابل، رفضت معظم الفصائل الفلسطينية ومنظمات المجتمع المدني باقي بنود الخطة، واعتبرتها محاولة لتفكيك الهوية السياسية الفلسطينية وإقصاء القوى الوطنية من المشاركة في إدارة قطاع غزة.
منع القرار جميع الفصائل الفلسطينية من المشاركة في أي نشاط إداري أو أمني داخل القطاع، بينما أسندت مهام الإشراف إلى هيئة انتقالية برئاسة ترامب، تعمل بالتنسيق مع إسرائيل. امتلكت هذه الهيئة سلطة تقرير مستقبل غزة حتى عام 2027، بما في ذلك تحديد متى يمكن للسلطة الفلسطينية استعادة السيطرة، مثلما أعطاها الدور الأكبر في إعادة الإعمار وإدارة الأمن والمعابر.
في الضفة الغربية، تجاهل القرار تمامًا مستقبلها السياسي، وربط أي اعتراف مستقبلي بالدولة الفلسطينية بتنفيذ السلطة لسلسلة إصلاحات غير محددة، وبموافقة إسرائيل على أنها «جاهزة للحكم».
قوة دولية لا لحفظ السلام… بل لنزع المقاومة
لا تهدف القوة الدولية المزمع نشرها داخل غزة إلى حفظ السلام كما يحدث عادة، بل تستهدف القضاء على أي مقاومة مسلحة محتملة، حيث تعمل بالتنسيق مع إسرائيل ومصر لتأمين الحدود وتجريد الفصائل من سلاحها. يحتفظ الجيش الإسرائيلي بالسيطرة الأمنية العليا، ولا ينسحب إلا وفق شروط يحددها بنفسه.
تجاهل القرار بوضوح التفاصيل العملية الخاصة بضمان وصول المساعدات الإنسانية، واكتفى بالتأكيد على أهميتها، مع الإشارة إلى تكرار نموذج سابق جرى اعتماده في هدنة يناير 2025 عبر معبر رفح.
القرار يتجاهل أحكام المحكمة الدولية
تتعارض هذه الخطة وقرار مجلس الأمن تعارضًا مباشرًا مع أحكام محكمة العدل الدولية التي أكدت ما يلي:
تخلق ممارسات إسرائيل في غزة خطرًا حقيقيًا بالإبادة الجماعية، ما يفرض على الدول منع وقوعها.
تنتهك الإجراءات الإسرائيلية مبدأ حظر التمييز العنصري.
يُعتبر الوجود الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية غير قانوني، ويجب إنهاؤه فورًا.
تعرقل إسرائيل دخول المساعدات، خلافًا لالتزاماتها الدولية.
تقع على عاتق دول العالم مسؤولية قانونية لإنهاء الاحتلال ودعم حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
رغم ذلك، مضى مجلس الأمن عكس هذا الاتجاه القانوني الواضح، في خطوة وصفها الكاتب بأنها سابقة خطيرة تُشرعن انتهاك القانون الدولي بدلًا من الدفاع عنه.
في ظل هذا المشهد، تبدو المنظومة القانونية العالمية وكأنها تفقد توازنها، بينما يدفع الأضعف الثمن الأكبر.
https://carnegieendowment.org/research/2025/12/un-security-council-endorse-us-gaza-plan-international-law?lang=en

